تجربة الكون 25| ليه كل الناس مش أغنياء؟
سؤال بيشغل ناس كتير من أول يوم للبشرية ولحد دلوقت .. هو ليه مش كل الناس أغنيا ومرتاحين زي بعض ؟ بدون تعب ولا ظلم ومع إن إجابة السؤال ده البديهية إننا هنا مش في الجنة ولكن ، ماذا لو تحولت الأرض لجنة حقيقية متوفر فيها كل حاجة لكل الناس زيهم زي بعض؟ هل ده الحل علشان يعيشوا مبسوطين ؟ السؤال ده جاوبت عليه تجربة من أخطر التجارب في العالم وأكثرهم رعبًا .. تجربة الكون 25 سنة 1958 فكر عالم السلوك الأمريكي جون بي كالهون في نفس السؤال وقال لنفسه هيحصل ايه لو عملنا نموذج مصغر (يوتوبي) للجنة على الأرض وبدأ بالفعل في تصميم (مدينة فاضلة) للفئران متوفر فيها كل حاجة يحلم بيها أي فار من أكل وشرب ومساحة واسعة ولا فيه خوف من الافتراس ولا خوف من الموت من الجوع وبالفعل بدأ التجربة بتاعته سنة 1968 يعني بعد 10 سنين من الدراسة وسماها بالحوض السلوكي وكان الغرض منه دراسة سلوكيات الفيران لو اتوفرتلها كل الاحتياجات بدون تعب بدأ كالهون بأربعة أقفاص ضخمة متصلة وبدأ بأربع أزواج من الفئران .. أربعة ذكور وأربع إناث اختارهم هو وفريقه بعناية شديدة بحيث يكونوا في حالة صحية ممتازة ووفرلهم أكل وشرب غير محدود ودرجة حرارة مناسبة وثابتة طول السنة وبالفعل بدأت الفيران في التزاوج في جنتهم ولمدة 315 يوم عاشوا فيهم في سعادة لحد ما وصل عددهم لـ 600 فأر وهنا بدأت الفئران تلقائيًا تشكل هرم مجتمعي طبقي واتقسموا لطبقات فيران أقوياء وبيسيطروا على كل حاجة وفيران من الطبقة البائسة بيتعرضوا للهجوم كل يوم مع انه مفيش حاجة تستدعي الهجوم ده فكل الموارد من أكل وشرب وأماكن للعب موجودة واستمر الحال على كده لمدة 560 يوم من بداية التجربة لما وصل عدد فيران المستعمرة لـ 2200 فأر وهنا كانت بداية النهاية ، بدأ عدد الفيران في التناقص بالتدريج ومع الوقت انقلبت جنة الفيران لجهنم فبقوا عدائيين أكتر ، وبيتقاتلوا على أماكن العيش في وسط الانفجار السكاني في المستعمرة ده غير تغيير كبير حصل في فسيولوجية الإناث تحديدًا اللي فقدوا الرغبة في الأمومة تمامًا فبمجرد الولادة بقت الأم بتتخلى عن أولادها وبتعاملهم بعنف شديد بيصل أحيانًا للقتل بل إن أصبح من الطبيعي بين فيران المستعمرة إنهم يسيبوا الأكل اللي متوفرلهم ويستبدلوه بأنهم ياكلوا بعض في الوقت ده ظهرت مجموعة جديدة من ذكور الفيران طبقة جديدة أقوى وأجمل ، أطلق عليهم كالهون إسم (الجميلون) وبرغم إن الفأر كائن إجتماعي وبيعيش في جماعات إلا إن الفئة الجديدة دي اتولدت عندها رغبة كبيرة في الانعزال والوحدة وظهرت عندهم عدم رغبة في التزاوج بل كمان ظهر بينهم الشذوذ وتحولت مع الوقت فيران المستعمرة لروبوتات تنام وتقوم تاكل وترجع تنام تاني في اليوم الـ٦٠٠ للمستعمرة أصبحت شبه منتهية تمامًا فيران قليلة ما بتتفاعلش مع بعضها ومفيش بينهم أي رغبة للتكاثر ونادر جداً لما تحصل حالة ولادة برغم ان كل حاجة متوفرة لحد ما في النهاية اتولد فار في وسط عدد قليل من سكان المستعمرة وكان نشيط أكتر وعدائي أكتر من كل الأجيال السابقة وقدر يقتل باقي الفيران الموجودة في المستعمرة علشان جنة الفيران تنتهي تمامًا وتنقرض التجربة دي كررها (جون كالهون) ٢٥ مرة من سنة ١٩٦٨ لسنة ١٩٩٥ وكانت كل مرة بتوصل لنفس النتايج جنة متوفر فيها كل حاجة .. تكاثر لسكانها بشكل أسرع من الطبيعي تقسيم طبقي هرمي للفئران .. العزوف عن التزاوج .. ظهور الشذوذ والقتل وثم الانقراض في شكل مثالي لأي سقوط حضاري حصل لأي حضارة بشرية بتوصل لقمة البذخ ثم الهلاك والانقراض علشان يسيب عندنا أسئلة كتير مهمة ومحيرة هل لو ده اتوفر للبشر هيوصلوا لنفس النتيجة ؟ وهل اللي حصل لفيران تجربة الكون 25 له علاقة باللي بيحصل في دول كتير متحضرة وغنية جدًا إنها في الوقت الحالي معدل مواليدها قل جدًا وخايفة من الانقراض ونسبة الاكتئاب والوحدة والانتحار فيها زادوا بشكل كبير ؟ هل تجربة الكون 25 بتمثل حكمة ربانية لوجود الصراع بين الطبقات ولا للبشر قواعد أخرى ؟